السبت، 20 يونيو 2020

تجليات فلسفية: سكينة المعبد وأرض الله


تجليات فلسفية: سكينة المعبد وأرض الله



“أعلي من الأغوار كانت حكمتي
إذ قلت للشيطان : لا . لا تمْتحِنٌِي !
لا تضعْني في الثٌنائيٌات ، واتركني
كما أنا زاهدا برواية العهد القديم
وصاعدا نحو السماء ، هناك مملكتي
خذِ التاريخ
، يا ابن أبي ، خذِ التاريخ
“ واصنعْ بالغرائز ما تريد”

*محمود درويش - الجدارية


بالرغم أن المعبد عمرانياً، لا يزيد على المنازل حجماً وبساطة، بل وربما أشد بساطة من منزل، وتفوقه الكثير من الظواهر العمرانية في المدينة من عظمة هندسية وجمالية وفنية، لكن يبقى عند المؤمنين، الدخول للمعبد له رهبته لا تبعثها أكبر الصروح العمرانية ضخامة وللمعبد سكينة لاتحاكيها أي صرح عمراني مهما حاول من أدوات الصفاء الذهني من رسومٍ وموسيقى و وسائل باعثه للبهجة كثيرة!.


ربما لأن في حدود المعبد ينفصل العالم الخارجي عن ما في داخل المعبد في نفسه المؤمن، حدود جدرانه تفصل أرض الله عن الارض الشيطان في خارجة، يحس فيها المؤمن عند دخوله كما يحس المتعب الثناء العودة للمنزل بعد يوم شقاء طويل مليئ بصخب مشاكل الناس، يجد العائد الى منزله بعض السكينة التي يحس بأنتهائها بعد أن تفصله جدران المنزل عن العالم الخارجي وصخبه.


غير أن سكينة المنزل أقل بكثير من سكينة المعبد، لان أرض الشيطان قد تمتد لمنازلنا أيضا، وتلك المشاكل في العالم الخارجي قد تنتقل ولو بعضها للمنزل من صخب العائلة وبعض مشاكلها التي نسبياً فقط أقل قليلا من عالم الصراع خارج المنزل، بينما في المعبد، السكون الجمعّي هوالسائد، في المتعبدين الذين يتنقلون في داخله بخطى خفيفة يحاولون فيها عدم تدنيس قديسة هذه الارض فلا يعكرون بذلك صفو المتعبدين الاخرين، ويبتسمون لبعضهم كجرحى خرجوا للتو معا في نقالات متجاورة، يأزرون بهذه البسمه جروح بعضهم!.


وراء هذه الظاهره والسكينة،  الايمان، أو التصور المسبق، وهو ما يجعلها ممكنه، ممكنة الحدوث في أي مبنى عمراني أن أمن المرتادون له، أنهم دخلوا أرض الله وخرجوا بدخولهم من أرض الشيطان، أرض الصراع والمعركة!.


أن مد أرض الله خارج المعبد أمرٌ ممكن أن زُرع هذا التصور المسبق في رؤوس الناس، بل وهو حاصل في المجتمعات البوذية الرهبانية فيقمم الهمالايا وبعض الاماكن المعزلة في الصين والهند، وحمل قبسه الاشتراكيون الكلاسكيون في القرن ١٩ حين هاجروا كجماعات الى دولامريكا الجنوبية ليصنعوا جنة اشتراكية لا صراع طبقي فيها ولا ساده ولا عبيد.


ولكن كان الشيطان دوماً يرفض أن يقتطع أحد من ارضهومملكته!، مثلما ظهر للمسيح في انجيل مرقس في فترة صيامه وانعزالة لاربعينيوماً، وأراه الارض كلها وقال له:"أعطيت له هذه الارض أسجد لي واعطيها لك"

مثل هذه التجربة تتكرر دوما في كل مكان مؤمنين نحن فيه أننا في أرض الشيطان ولذلك دوما يجد الصراع طريقة، ثم بعد ذلك نتودد الىأرض الله المحدودة في المعبد كما في تصورنا، لنلعن أرض الشيطان التي صنعناها نحن!.



أن الفاصل بين أرض الله وأرض الشيطان ليست إلا تصورا مسبقاً وسكينة نحن من نصنعها، لذلك دوماً سيظل الخطاة يذكرون الله كثيراً وينتظرون الخلاص مما صنعته أيديهم، بينما أولئك الذين يحملون في عقولهم تصوراً أن أرض الله في كل مكان، سيحملون السكينة معهم ونورهم الداخلي، ويجدون في عذابات ضمير الخطاة وتقلبهم في البلاد بحثاً عن ارض الله المفقودة، ظلاماً داخلياً لا يصل إليه نورٌ خارجي ماداموا منغلقين وبلا شعلة داخلية، تنير ظلامهم، وذاك الظلام الداخلي فيهم يتسرب منهم في كل مكان، ينزلق ويتسخ فيه كل من يقترب منهم.





عبدالعزيز عمر الرخيمي