الاثنين، 28 مارس 2016

تجليات فلسفية: تجريد الإنسانيته

 تجليات فلسفية: تجريد الإنسانيته


يقول زهير بن ابي سلمى في معلقته بوصف الانسان: لسان المرء نصفه ونصف فؤاده فلم يبقى إلا صورة اللحم والدمِ!، جوهر الانسان حزمة أفكار في الفؤاد واللسان، فما يسكن الفؤاد ليس إلا افكار تم تبنيها وما يخرج من اللسان إلا ترجمة شخصية لها، الافكار هي ما تميزنا بعضنا عن بعض وليست صورنا، وربما ليس اروحنا إلا نسيج من فكر نحيكُها طوال حياتنا.

‏⁧‫‏قد نجد إنسانين، يتشابهون بنفس صورة اللحم والدم كما يقول زهير، التوأمين مثلا، لكن ما يميز بعضهم عن بعض، حزمة الافكار التي يتبنينها، فيتميزان حتى للاعمى!، و‏ما يميز الانسان بالنهاية، هي الحرية بتبني تلك الافكار صقلها، وأي محاولة لسلب هذه الحرية، محاولة لتجريد الانسان عن إنسانيته!، بل ايضا ما يميز الانسان عن غيره من الحيوانات، إنهُ كومة أفكار تتسجد ببدن، وما يميز عن باقي بني جنسه، هي انتقاءه لتلك الافكار وتنقيحة وتعديله لها، كما البستانيّ الماهر ينقي حسب ذوقة الورود لباقة من إبداعه.

‏⁧‫‏وأي محاولة ايضا لفرض افكار عن مجموعة او امة معينه، استعباد من نوع اخر، وتجعلهم آلات يتم برمجتها، والآلات لا تبدع أو تتطور!، ربما هذا ما قصده سقراط حين قال: تكلم كي أراك، وربما هذا ما قصده أيضا زهير.
‏⁧




عبد العزيز عمر الرخيمي

الجمعة، 25 مارس 2016

تجليات فلسفية: حين نصيرُ أحاديثاً

 تجليات فلسفية: حين نصيرُ أحاديثاً


"احاديث تبقى والفتى غير بخالدٍ" بهذا الكلمات اختصر الشاعر عروة بن الورد، الصراع الوجودي في نفس العرب بالجاهلية، ما معنى حياة نقذف فيها بلا أي دور او هدف؟ وما معنى حياة انتهائها فناء؟، ربما لهذا جاهدوا لنيل الادوار فيها وأن يصنعوا لها معنى وبهذا خلد الكثير منهم، الشاعر والكريم والفارس.

و‏كانهم لا يردون ان يموتوا ويقاومون الموت، بالمجد، ليبقوا احياء وخالدين بأفواه من بعدهم، احاديث تبقى، وهالك بنظرهم من لا يبقى حديثا بعد موته!، وكأنهم لا يرون هذه الحياة إلا مسرح كبير كما يرى شكسبير، خير لك أن تاخذ دورا وتصنع له معنى على ان تقذف فيها وتعبرها الى الفناء، كأن لم تكن!.
‏مؤلمة جدا منظور الحياة بعدمية، الاكثر إلماً ان تمر على هذه الدنيا كما ريشة تتقذفها الرياح من وادي الى واد، وبعثيةٌ هذه الحياة إن كانت بلا معنى وإن كانت مسيرتك فيها كما ركاب القطار بين محطتيّ الموت والولادة.
‏والاكثر ضجرا من الخلود نفسه الذي كانت لعنة انصاف الالهة في الاساطير، ما معنى إن تعيش حياةً لا تنتهي؟ بلا معنى ؟ الموت بلا شك راحة واعظم راحةً أن لا تموت إلا تؤدي دورا في هذه الحياة فتكون بعد موتك حديث كما قال عروة، بهذا عرف الجاهليين الوجه الاخر من وجه الخلود، وترياق الفناء، ان يبقى ذكرك حديثا، والاحاديث لا تموت ما بقيت الافواه، كالشعلة التي تتخطفها روؤس الشموع..
‏⁧




عبد العزيز عمر الرخيمي

الأربعاء، 23 مارس 2016

تجليات فلسفية: الخلود في الذكريات


تجليات فلسفية: الخلود في الذكريات


‏بعض الذكريات كما الخمر، رغم لذتها وسلوانها الروحيّ لنا، تأكلنا من الداخل، كما تتأكل أواني الخمر الفخارية مع الزمن!.
‏‏ربما لسنا إلا أواني فخارية، نسكُبُ بعضنا ببعض، وبهذا نحب ونتكاثر وبهذا نخلد، أولسنا بالنهاية إلا ذكريات تعيش ببعضها إن فنا من الجسد؟.
‏⁧‫‏أوليس الحب ايضا بوجهه الأخر، شخصين يتقسمان نفس الذكرى ويسكبانها ببعضهم البعض طمعاً بالخلود في روحٍ اخرى، كما التكاثر للاجساد؟.

لسنا بحيوانات ناطقة ولا حيوانات عاقلة، بنحن أواني من ذكريات حية، نتكاثر بصنع الذكريات بين بعضنا البعض، ونعيش لصنع الذكريات التي نتقاسمها مع بعضنا البعض وبها نخلد!.
‏⁧




عبد العزيز عمر الرخيمي

الأربعاء، 2 مارس 2016

خطبة إبن زيدون الأخيرة


خطبة إبن زيدون الاخيرة


اسبلي جفون جواريكِ والحرس، ما عدت أنا بعد اليوم يا بنت عبدالرحمن طارق أبوابكِ ثمِلا ولا ضرب في خدركِ الجرسا، إن اكن من قبلُ ازاحمُ إليك عشاقكِ وارسي في هواكِ كما تستوي الفلكُ في مينائها بعد تلاطم الامواج، فاليوم تزاحمني إليك الاميالُ والمسافات والمُدنا!.

أغمضت الايام عني عيونها، فما عدت ذلك الذي تميل له أنظارها حيث يميلُ، ونهار العيد ما عاد كسالف عهده، أتحراه لأستبشر لقائكم في الخصامِ وفي نهار العيد لا انداد ولا خصماءُ، إن يكن العالمين يترقبون هِلالهم فهلالي اضحى في دار وتخسفهُ عن عيني سحبُ الانداد والاعداءِ، وفي دين عشقي لا عيدٌ إن لم اشهد شرفتكِ ولا اشهد ظلكِ الذي لا يكاد يحجبه من الشرفة النوافذ والاستار، ولا اشهد ظلالك يشي بي وانا تحت الشرفات لكِ بالانظار استرقُ.

يا دار قرطبة، سقتكِ الايام بهرجها والماء العذب الفرات عساها تسقكِ المزنُ، أن لي فيكِ ذكريات تمشي في شوارعكِ، مع ولادة أكاد عياناً اشهدها، كاشباح من ضبابِ بنيتها تسبح في سحب الشموع كأننا روح المدينة لا فيها البشر، وفي كل زاوية فيكِ عن ولادة خلقت خيالاتِ فكادت تزاحم المارين والشرطة وفي السماء الشهبا.

غدت يا بنت المستكفي محرمةً علي، كما حرمة على بني اسرائيل القدسُ، كأن لم اكن من قبل سليمان فيها، تحت طوعي شياطين الشعر وبصولجان عشقكِ تحسدني الانسُ، وطردت من مدن عشقك كما طرد إبليس من جنات الخلد، فلا تتحري مني شعرا كالامس بين قوافل الشعراء إن جائوكِ، فكيف اقول الشعر ومنك لا يأتيني المددُ، ولا تُعدِ في الليل سحب البخورِ والعطور تتحرين شبحي، ان النوم منذ طردتُ من داركِ جفانيّ، حتى من نعمة اللقاء بكِ بالاحلام صارت ممنوعةً، كالجنة على ارواح الشياطين ممنوعة!.

وداعا يا ولادة، كما ودع هرقل الشام بعد فتحها، واغمض عينيه عنها ليحبسها في الانظار بعد إن حرمت عليه كما حرمتِ علي، فوداعاً لا لقاء بعده.



* هي خطبة خيالية لا وجود لها إلا في رأسي، فكان إبن زيدون تقمص في والقاها، أو كإني ببن زيدون حللت فإتحدت، فاوحى لي للعشاق اياتاً، وكثيرون منا من عاش عشق ابن زيدون وفقد ولادته

عبد العزيز عمر الرخيمي