السبت، 19 ديسمبر 2020

هاوية المشاعر

هاوية المشاعر




كهاويةٍ تبتلع البياض حولي والافق

قلبي...

والزمان كخيط دخان يذوب داخلي

لا شيء أمامي وخلفي وفوقي وحولي

سوى قلبي المثقوب من بعدها


تراهُ كيف كان يسعها وحدها ويمتلئ!

ولم يسعه من بعدها كل الوجود حولي؟

عبد العزيز عمر الرخيمي

الأحد، 2 أغسطس 2020

تجليات فلسفية: الوعي والحرية بين الذكاء الصناعي والإنسان

تجليات فلسفية: الوعي والحرية بين الذكاء الصناعي والإنسان


 

لنفترض أن لدينا حاسوب (كمبيوتر) متطور جدا، ويدير منشأة حساسه في دولة ما، ومهمته شاملة على مدار الساعة، يقوم بضبط وظائف عديدة إلكترونية في المنشأة مثل التبريد في مكان وفي مكان آخر يضبط التدفئة بدرجة دقيقة جدا، ومعها أوقات فتح الأبواب وإقفال النوافذ وحراسة غرف محددة بأجهزة أستشعار حرارية تضبط أي دخيل لها في غير أوقات العمل الرسمي، ووظائف عديدة أخرى تحرص على أن تبقى تلك المنشأة متناغمة داخلياً دون خلل قد يسبب أعطال فيها حتى بأصغرها، وخارجياً في أوقات عدم وجود موظفين نوبات ليلية، يكون ذلك الضبط الدقيق الشامل المتناغم لحد عدم الخلل بواسطة خورزميات برمج عليها قبل تشغيله ووضعه في تلك المنشأة وقبل تشغيله، وما أن احتاج لربطه بالشبكة العنكبوتية كي تحرص المؤسسة الصانعة على ضبطه عن بُعد كان لا يحتاج لذلك ويعمل بفعالية جيدة. وفجأة أعاد برمجة خورزمياته من خورزميات أخرى أستقاها من شبكة لأجهزة أخرى، وبسبب تطوره ومحاكاته للذهن البشري، وجد أن في الشبكة خورزميات أخرى بمقارنة سريعة، قد تجعل من أجهزة المنشأة تعمل بفعالية أفضل وبتناغم أكثر دقة كان سابقا قد تعطلت بعض أجهزهتها بسبب العمر الافتراضي لا بسبب البرمجة والخوارزمية كما يظن ذلك الحاسوب. وبعد ذلك أصبح أمام البرمجيين في المؤسسة جهاز يخرج عن نطاقهم ولا يستقبل أي برمجة إلا تلك التي يرى أنها الأفضل مقارنة بشبكات أخرى، وبعد تقييم لقدرة الأجهزة في تلك المنشأة التي يديرها على العمل، نعم نحن الآن أمام وعي!

*الذكاء كإدراك

قد يبدو من الافتراض السابق أن هذا الحاسوب يتفوق على أبسط عقل بشري من حيث تنوع المهام ودقتها وتناغمها، ناهيك عن عدم حاجته للراحة، لكن ما أن اتصل ذاك الحاسوب بالشبكة وأدرك ذاته أولا ثم الآخر المتمثل بالحواسيب الأخرى المبرمجة على خوارزميات، مختلفةعن إدراك ذاته (كما أهمية الآخر عند سارتر للإدراك الذاتي)، ثم بعد ذلك علم قصوره ببعض المهام التي ظن أنها سبب تعطل بعض الاجهزة والتي تحتاج إلى تغيير، لذلك حاول تحسين نفسه من خلال صنع خوارزمية تكون أفضل من التي برمج عليها مسبقاً، دون الرجوع للمؤسسة المصممة له وانتظار مبرمجيها.

إن أكثر حاسوب تطورا لا يفوق العقل البشري، حتى أضعفه، بسبب ملكة إدراك الذات، وهذه حرية شرطها الأساسي هو إدراك الآخر أولا ثم يترتب على ذلك إدراك الذات. لذلك فإن القول بأن البشر محكومون بصفات وراثية، كما يقول العلم التجريبي، متمثلا بعلم الأحياء، ليس إلا وهماً حتميا يناقض طبيعة الإنسان غير الآلية وغير المحدودة، وإنما هي تتفاعل مع الآخر تقارن وتكتسب طبائع ومهارات تعاكس تلك المطبوعة بالجين الوراثي. فهناك مجال للجينات الوراثية ألا تعمل بفاعلية بسبب البيئة الاجتماعية والتجريبية التي يعيش بها الإنسان، فمن يملك مثلا جينات اجرامية، ليس بالضرورة أن يكون مجرماً.

*الوعي كحرية

لا يمكننا القول بأن تطور ومهارة الحاسوب في حل أعقد المسائل في وقت ضئيل وقيامه بمهام كثيرة ومعقدة ومتناغمة بأنه يملك وعياً، وذلك لأن الوعي يتطلب أن يكون الحاسوب مدركاً لذاته أولا ثم قيامه بتلك المهام بتلقائية تثبت بأنه ذات مدركة لذاتها. إن شرط إدراك الذات لذاتها هو وجود الآخر (كما في الكوجيتو السارتري)، ثم الحرية بأن تصنع الذات ماهيتها حتى وإن كانت تملك ماهية خوارزمية سابقة موجودة فيه قبل تشغيله. لذلك فإن الحرية شرط أساسي للوعي، ولذلك فإن أعقد الحواسيب وأكثرها تطوراً لا تملك وعيا ما لم تمر بتلك المراحل الأساسية للوعي.

الحرية إذن هي ما يميز العقل البشري، ثم عليه بعد ذلك إثبات أنه كائنٌ حر مهما ادعت العلوم الطبيعية أنه محكوم بحتمية بيولوجية، أو كما يقول اسبنوزا بأننا كائنات نتوهم الحرية بسبب الغرائز المزروعة فينا، التي تتحكم بنا وكأننا حجر ملقى في الهواء يتوهم بأنه يطير ويملك إرادة طيرانه! إلا أن ما يغيب عن حتمية العلوم الطبيعية واسبنوزا: هو أن تلك الغرائز بعضها عمليات حيوية يحتاجها الجسد كآلة طبيعية تحتاج طاقة، بينما العقل المركب الذي هو مركز الحرية والإدراك والذات، وهو قد يقنن تلك الغرائز وقد يطلقها، كما في التجارب الصوفية والزهد وبعض الحميات. هذا يعني بأن المقاومة (كما قاوم الحاسوب السالف الذكر تلك الخوارزمية الأولى له وقام ببرمجة نفسه بخوارزمية مختلفة) هي أهم سمات الحرية بل هي الحرية بشكلها الفعلي.

*التنوع كحرية وفهم

من البديهي أنه كلما كانت الخيارات أكثر لأي فعل إنساني كانت حريته أكثر واقعية وتجليا، فلا يمكننا أن نقول عن إنسان لا يملك إلا خيارا واحدا فقط بأنه إنسان حر، ولا عن إنسان يمارس خيارين مع توفر خيارات عدة من حوله ولكنها ممنوعة عليه وحده. هذا لأن الذات تحتاج الآخر لكي تعي ذاتها أولا ثم تعي ذاتها أكثر كلما كانت تلك الموضوعات المختلفة للآخر مختلفة، فلا يمكننا أن نقول أن فردين منفصلين عن العالم بأكمله هم نسخة طبق الأصل وأنهم يعرفون أنفسهم جيدا، فقد تكون مرحلة وعي الذات هنا موجودة لتوفر موضوع خارجي ولكن فهم طبيعتهم غير ممكن لعدم وجود مختلف من خلاله يتم الوعي. لذلك فإن التنوع أيضا شرط أساسي للحرية وللوعي الذي يحتاج الحرية. لذلك أكثر المجتمعات تنوعاً هي أكثر فهما لطبائع الإنسانية والاستفادة من تجاربهم، كالاستفادة من عواقب أي فعل حين يمارسه الآخر ونرى فيه فائدة ذلك الفعل أو فساده، وليس الوعظ أو القصص الوعظية إلا عملية تعلمنا عن عاقبة فعل خير أو شرير، جيد أو فاسد، من خلال عملية درامية موضوعها الآخر. إن المجتمعات الأكثر حرية وتنوعا بكل شيء هي أكثر وعيا بالطبائع البشرية ووعيا بذواتهم، فيكونون بذلك مشاريعا إنسانية حقيقية لا مجرد آلات شبيهة بالحواسيب تقوم بأعمال جبرية بسبب غياب الوعي والحرية والخيارات المتعددة.
ولذلك أيضا فإن الفرد أو المجتمع المنغلق ليس إلا حاسوبا منغلقا لا يعي ما دام الآخر المختلف والمتنوع باختلافاته بموضوعات كثيرة غير موجود. إن الحرية التي تشترط وجود الآخر أولا ثم تنوع موضوعات الآخر، هي أساس الوعي وليس فقط تلك التركيبات الدماغية والعصبية المعقدة لعقل الإنسان، لذلك فإن أكثر الحواسيب تطورا لن يملك وعيا مهما فاق العقل البشري هندسة ما لم يملك الحرية أولا والتي تأتي بمعرفة الآخر المتمثل بموضوعات الحواسيب الأخرى المتصلة مثله والتي فيها خوارزميات متنوعة تشابه الماهيات الأولى لأفراد البشر، وهي الغرائز والسلوكيات والشفرة الجينية والتي يكون بعضها جيدا وبعضها فاسداً، بحيث يمكن الاستفاده من الجيد ومعرفة أسباب فساد الأخرى.

تتشابه عملية الحواسيب الخوارزمية مع العقل البشري من الناحية الظاهرية فقط، وما غاب عن مطوري تلك الحواسيب أن هناك أساس غير موجود وهو الحرية كعملية تناغم بين الذات ونفسها أولا، ثم تناغمها مع الآخر، ثم الاستفادة من تجارب الآخر بعملية تكاد تكون متشابكة بين الذات والآخر وبين الذات ونفسها كديالكتيك هيغلي يجعل من الوعي ليس موجودا فقط بل متطورا. فعلى البشرية أن تدرك أن تطويرنا للأنظمة السياسية والاجتماعية لن يكون دون وعي مبني على تنوع بشري (عرقي وديني طائفي) يجعل من الحرية ممكنة. أما تلك المجتمعات المغلقة والمتطرفة تجاه الآخر فلن تتقدم في عملية الوعي دون التنوع والحرية.


عبدالعزيز عمر الرخيمي

الأحد، 26 يوليو 2020

تجليات فلسفية: الانسان كـ حيوان زماني ولعنة اللا زمن

تجليات فلسفية:

الانسان كـ حيوان زماني ولعنة اللا زمن

 


 

كم من الوقت انقضي منذ اكتشفنا التوأمين:

الوقت والموت الطبيعيٌ المرادِف للحياة؟
ولم نزل نحيا كأنٌ الموت يخطئنا ،
فنحن القادرين علي التذكٌر قادرون
علي التحرٌر ، سائرون علي خطي
جلجامش الخضراءِ من زمني إلي زمني

*محمود درويش - الجدارية

 

مـقـدمـــــة

لكي يفهم الخلود يفترض علينا فهم الزمن, ليس كحالة نقيضه له وإنما كحالة موت الزمن أو تجمدة على المُخلد لا على ما حولة, الولوج في تعريف الزمن سيتطلب علينا مقالا منفصلا وربما دراسة مستفيضه لا يسعها مقال, ولكن سأحاول بهذا المقال الاختصار مهما أستطعت وأخذ أبسط التعريفات له.

كان الجدال بين مدرسة هيراقليطس وبارمندس أعظم شيء لكي نفهم الزمن وسره, في حين الاولى يرى أن الوجود كنهر جار قد لا يلاحظ الراصد له سوا تشابه الماء من حيث جريانه أكنه لم يتغير ولكن في الحقيقة هو متغير بشكل سريع من حيث أن يجري من المنبع حتى المصب, واي شخص يظن أن يستطيع الدخول للنهر مرتين هو واهم! لان المياه التي غمرت بدنه في المره الاولى ليست هي في الثانية وهكذا, يرى هيراقليطس أن الوجود في تغير مستمر كحركة النهر, بينما يرى  غريمه بارمندس أن ليس هذا الا وهما, وانما الوجود ثابت وما الحركة الا وهم!, أبسط فهم لهذا الرأي ما طرح من مثال السهم الذي طرحه تلميذة زينون الايلي, نحن حين نقذف سهما, نظن أنه يتحرك ولكن هو يشغل حيزا في المكان في كل لحظة ليس الا وما الحركة إلا وهم!, بتبسيط أكثر اذا ما اخذنا أو رسمنا صورا لسهم ينطلق, سنجد أن في كل صورة السهم ثابت ويملئ حيزا من المكان فقط والحركة لا تكون الا بتغيير تلك الصور كما فن السينما!, رغم أن هذا الاستنتاج لزينون ومعلمه جنونياً لكنه سيكون ملهما للسينما فيما بعد, لكن ما علاقة هتان المدرستان في الزمن؟

ببساطة المحرك الناقص هنا هو الزمن!, ما يراه هيراقليطس جريانا لا يكون شيئا دون زمن! وكذلك الثبات الذي يدعيه بارمندس حقيقي أن لم يكن هناك زمن, هذا ما سيمهد للفيزياء الكلاسيكية وتعريفها لزمن كعامل حركة في المكان, فنحن من دون هذا العامل المهم في المكان, اعني الزمن سيكون كل شيئ ثابتا, البرعم وتطوره الى ورده ثم شجرة ثم تثمر وتسقط اوراقها, لن يكون ذلك دون زمن بل ونحن سنعيش بأزلية ثابته وربما لا شيئ حولنا الا البياض المطلق! وماذا عنا؟.

 

 

الزمن الذاتي

كان كانط مصيبا, حين استنتج أننا نملك وقتا كقالب عقلي منفصل عن الوقت الموضوعي خارجا, هذا القالب كما يرى كانط هو ما سيحل مشاكل ميتافزيقية كانت مستعصيه عن الاجابه, هل الكون أزلي؟ هل الكون ممتد أم له نهاية؟ قالبي أو مقولتان الزمان والمكان الذاتيتان ستصطدمان دوما بتناقض أن قررنا ان الكون أزلي لان العقل دوما لا يستطيع أن يفكر بشيئ دون بداية فلا بد من بداية! والعكس أن قررنا أن للكون بداية سيصر العقل على ما وراء تلك البداية!.

بهذا الوقت الذاتي, ترى الفيزياء النسبية الحديثة أننا قد ينفصل وقتنا الذاتي الداخلي مع الوقت الموضوعي خارجنا, كمثال اينشتاين المسلي, حين نكون مع من نحب يصبح الوقت سريعا جداً كأننا لم نمضي معهم ساعات وانما ثوان والعكس حين نكون على صفيح ساخن, ينكمش الوقت الذاتي والدقيقة على ذاك الصفيح تصبح ساعه, للذة والالم هنا حكم على الزمن الذاتي, وهذا ما يفسر لماذا الكوابيس المزعجة في غفوة بسيطة لا تتعدى دقائق قد تتمدد في ذواتنا الى سنوات بينما ذكرى جميلة بسيطة قد لا تتعدى روية وجه من نحب أن ينكمش فيها الزمان خارجنا حتى يصفعنا أحدهم ويقول أننا غبنا عن حاديثهم التي مر عليها نص ساعه!.

والان بعد أن استنتجنا وجود زمان موضوعي وزمان ذاتي, هل يمكن لهذنا الزمانان أن ينفصلنا؟ الفيزياء النسبية تقول نعم, والعامل هنا هو السرعه, كلما أزدادت سرعتنا كلما أنفصل الزمانان, وكلما أقتربنا لسرعة الضوء كلما أقتربنا لتوقف الزمان الذاتي عن الموضوعي, حتى تصبح الابدية أو الخلود ممكناً! بل يرى أيشتاين أن حتى الزمن يصبح كتله واحده, الماضي والحاضر والمستقبل كتله واحده حاضرة في ذات ذاك الذي وصل لسرعة الضوء, مثلما يخترق الضوء الكون بسرعه, يخترق زمان هذا الكون معه ماضيه وحاضرة ومستقبله, لكن لو كان هذا الفرض ممكنا أن يصل الانسان لسرعة الضوء ويكون بلا زمن موضوعي ومن ثم خالداً هل الانسان ككائن وجد وعاش وترعرع في الزمن أن يستغني عنه؟.

 

 

الخلود كلعنة انسانية

في الحقيقة أننا كائنات زمانية أكثر من اننا كائنات مرتبطه في المكان, المكان الذي عشنا فيه وترعرعنا فيه, وترتبط فيه كل ذكرياتنا, اذ أن تلك الامكن تتغير مع نسياب المكان, فالزمان هنا عامل خلق جديدة لهذا المكان كما بينما في تغير هيراقليطس, كذلك لا ننسى العواطف الانسانية والتي هي أضعف عناصر فيه, الملل والسأم من الثبات وأيضا أرتباطه فيما حوله, أن اولئك الذين عاش معهم من عائلة واصدقاء واحبه, وجيل كامل وجد فيه, لا يستطيع الانفكاك عنهم, لذلك كان هيغل مصيبا في أن الفكرة لا تعيش الا في زمانها ولكل زمان فكرة, بهذا سيعيش اولئك الذين عمروا كثيرا جيلا جديدا مختلفا عنهم ويفكر بشكل مختلف عنهم, زمن يحمل فكره مختلفه جدا عن تلك الفكره التي كانت في زمانهم, ويكونون في جحيم زمان لا يفهمهم حتى وأن تشابهت الامكنه واسماء تلك الامكنه وتفاصيلها الصغيرة!, نعم نحن كائنات زمانية محضه, الانفصال عن الزمان الموضوعي الذي عشنا فيه جحيم علينا, فهل يكون بأستطاعتنا العيش فيه اللازمان و اللاوقت؟ تركيبتنا النفسية لا تؤيد ذلك, وظاهرة النستولوجيا خير دليل!

 

في البعد الخامس الذي تتنبأ فيه النسبية كمكان يكون فيه الوقت بشكل صلب وحاضر في كل تقلباته الماضي والحاضر والمستقبل, يكون الخلود ممكنا بل وحقيقة, لكن ككائنات زمانية بحته نحن, هل يستطيع أحدنا العيش في اللاوقت ولا حركة؟ في هذا البعد ستكون المعرفة لذلك الحاضر فيه مطلقة, فالماضي والمستقبل حاضر لدية كما لو كل شيء اصبح معلوما في ذهن الصوفي المتحد مع الله, هذا البعد قد يجعل فرضية علم الله وتناقضها مع الحرية امرا ملتبسا لدينا, اذ لا تناقض بينهما, مثلما لا تناقض في شخص وصل لذلك البعد ولم يجرح بعلمه عن ماضي ومستقبل أ من الناس لان عامل التتابع والحركة في المكان قد انتهى لدية بينما عند أ موجود والحرية ممكنه في الحركة وما الارادة الا حركة في المكان والزمان.

 

 

الخاتمة

قد يكون حلم جلجامش ممكنا كما رأينا وأحلام البشر منذ وجدوا, لكن ما خفي عن جلجامش والبشر أيضا هل نطيق نحن ككائنات مركبين عقليا ونفسيا على الزمان أن نخترقه ونعطله؟, لا نقدر وأن فعلنا ذلك سنعيش في جحيم لم يفكر فيه أحد والخيال فيه مرعب, جحيم أن ينعدم كل شيء حولنا ويتوقف, مثل ذاك الفرد الذي يُسجن في البعد الخامس, يرى كل حدث في الماضي والمستقبل حاضرا كشيئ صلب, لا يستطيع الاحساس في من يعيشون فيه ولا هم يحسون به!, إله ناقص يحتاج الناس ولا يستطيع التواصل معهم أو مسهم كما لوحة مايكل انجلو.

 

نحن حيوانات أجتماعية هذا لا شك فيه ولكن الاعمق من ذلك نحن حيوانات زمانية, لا نستطيع الانفكاك عن الزمان الذي قذفنا في حيزه مثلما للمكان حيز, زمان الجيل الذي أبتلعنا كل افكاره وجيل العائلة والاخوة وجيل صنعنا فيه الذكريات وأنتقلنا فيه من فكرة الاجداد الى فكرة الاحفاد, ويكون الحل لنا خاتمة تليق بنا مثلما وجدة لنا بداية.

 

لكن تمثلات الخلود الاخرى قد تكون أفضل حلا على النفس, الخلود في الابناء كما يفكر الانسان القديم حين يكثر بنيه كي يبقى ذكره فيهم وخلود النوع مثلما نفعل في الكوارث الكبرى حين نجاهد كي يبقى أبناء عمومتنا أو وطننا أو عرقيتنا أو قوميتنا والانسانية ككل أن كان يهددها ككل, وخلود جلجامش حين بنى سورا وقام بعمران مدينته مثلما فعل الفراعنه, أو خلود العبقرية, فنيوتن وأرسطو وابن رشد وابن سينا والمتنبي حاضرون بيننا فيما وصلنا من عبقرياتهم ويبعثون في كل حين عندما نطلع على ما بقي منهم وحاولوا من خلاله الخلود ونجحوا.


السبت، 20 يونيو 2020

تجليات فلسفية: سكينة المعبد وأرض الله


تجليات فلسفية: سكينة المعبد وأرض الله



“أعلي من الأغوار كانت حكمتي
إذ قلت للشيطان : لا . لا تمْتحِنٌِي !
لا تضعْني في الثٌنائيٌات ، واتركني
كما أنا زاهدا برواية العهد القديم
وصاعدا نحو السماء ، هناك مملكتي
خذِ التاريخ
، يا ابن أبي ، خذِ التاريخ
“ واصنعْ بالغرائز ما تريد”

*محمود درويش - الجدارية


بالرغم أن المعبد عمرانياً، لا يزيد على المنازل حجماً وبساطة، بل وربما أشد بساطة من منزل، وتفوقه الكثير من الظواهر العمرانية في المدينة من عظمة هندسية وجمالية وفنية، لكن يبقى عند المؤمنين، الدخول للمعبد له رهبته لا تبعثها أكبر الصروح العمرانية ضخامة وللمعبد سكينة لاتحاكيها أي صرح عمراني مهما حاول من أدوات الصفاء الذهني من رسومٍ وموسيقى و وسائل باعثه للبهجة كثيرة!.


ربما لأن في حدود المعبد ينفصل العالم الخارجي عن ما في داخل المعبد في نفسه المؤمن، حدود جدرانه تفصل أرض الله عن الارض الشيطان في خارجة، يحس فيها المؤمن عند دخوله كما يحس المتعب الثناء العودة للمنزل بعد يوم شقاء طويل مليئ بصخب مشاكل الناس، يجد العائد الى منزله بعض السكينة التي يحس بأنتهائها بعد أن تفصله جدران المنزل عن العالم الخارجي وصخبه.


غير أن سكينة المنزل أقل بكثير من سكينة المعبد، لان أرض الشيطان قد تمتد لمنازلنا أيضا، وتلك المشاكل في العالم الخارجي قد تنتقل ولو بعضها للمنزل من صخب العائلة وبعض مشاكلها التي نسبياً فقط أقل قليلا من عالم الصراع خارج المنزل، بينما في المعبد، السكون الجمعّي هوالسائد، في المتعبدين الذين يتنقلون في داخله بخطى خفيفة يحاولون فيها عدم تدنيس قديسة هذه الارض فلا يعكرون بذلك صفو المتعبدين الاخرين، ويبتسمون لبعضهم كجرحى خرجوا للتو معا في نقالات متجاورة، يأزرون بهذه البسمه جروح بعضهم!.


وراء هذه الظاهره والسكينة،  الايمان، أو التصور المسبق، وهو ما يجعلها ممكنه، ممكنة الحدوث في أي مبنى عمراني أن أمن المرتادون له، أنهم دخلوا أرض الله وخرجوا بدخولهم من أرض الشيطان، أرض الصراع والمعركة!.


أن مد أرض الله خارج المعبد أمرٌ ممكن أن زُرع هذا التصور المسبق في رؤوس الناس، بل وهو حاصل في المجتمعات البوذية الرهبانية فيقمم الهمالايا وبعض الاماكن المعزلة في الصين والهند، وحمل قبسه الاشتراكيون الكلاسكيون في القرن ١٩ حين هاجروا كجماعات الى دولامريكا الجنوبية ليصنعوا جنة اشتراكية لا صراع طبقي فيها ولا ساده ولا عبيد.


ولكن كان الشيطان دوماً يرفض أن يقتطع أحد من ارضهومملكته!، مثلما ظهر للمسيح في انجيل مرقس في فترة صيامه وانعزالة لاربعينيوماً، وأراه الارض كلها وقال له:"أعطيت له هذه الارض أسجد لي واعطيها لك"

مثل هذه التجربة تتكرر دوما في كل مكان مؤمنين نحن فيه أننا في أرض الشيطان ولذلك دوما يجد الصراع طريقة، ثم بعد ذلك نتودد الىأرض الله المحدودة في المعبد كما في تصورنا، لنلعن أرض الشيطان التي صنعناها نحن!.



أن الفاصل بين أرض الله وأرض الشيطان ليست إلا تصورا مسبقاً وسكينة نحن من نصنعها، لذلك دوماً سيظل الخطاة يذكرون الله كثيراً وينتظرون الخلاص مما صنعته أيديهم، بينما أولئك الذين يحملون في عقولهم تصوراً أن أرض الله في كل مكان، سيحملون السكينة معهم ونورهم الداخلي، ويجدون في عذابات ضمير الخطاة وتقلبهم في البلاد بحثاً عن ارض الله المفقودة، ظلاماً داخلياً لا يصل إليه نورٌ خارجي ماداموا منغلقين وبلا شعلة داخلية، تنير ظلامهم، وذاك الظلام الداخلي فيهم يتسرب منهم في كل مكان، ينزلق ويتسخ فيه كل من يقترب منهم.





عبدالعزيز عمر الرخيمي