الاثنين، 11 يونيو 2018

تضرعات في هيكل فينوس وأثينا

تضرعات في هيكل فينوس وأثينا

إنحنى كما النخلة في مهب الريح منكسرٌ من ريح أسئلة تدور في ذهنة كزوبعة! وهو يتضرع في الهيكل: أجيبوا يا ربات الجمال والحكمة، يا فينوس و يا أثينا، أين الجمال؟، وأين هو في إمراه حسناء لعوب لا تفقه إلا نسج شعرها كبيوت العناكب؟ وأين الحكمة يا أثينا حين يقذف العقل بالحجارة كمسخٍ في مدينة متشائمين ويلعن بالطرقات كنبيّ!

أثينا: انا الحكمة!،
انا كالقمر وكشموع الكنائس، جمالي حين أضيئ حيث لا نور، وهل القمر لليالي الا زينتها وجمالها، وعقدها اللؤلؤي الذي يتفاخر به الليل إذا ما النهار وضع الشمس على جبينة، كعقل بين الجاهلين يضيئُ كشمعة في كنيسة يدعو الآثمين!

فينوس: انا الجمال!،
أنا كالورد الطالع كالبساتين الزاهرة، حكمتي في تجلي الجمال في العقول حين ترى الأرض تزهر رغم غبار المعركة كالبساتين التي تعطي الحامدين واللاعنين دون تمييز، في الثمر المتدلي حين يغوي العابرين برونقها لينشر بهم بذره!

فينوس: تراك يا ايها الفاني، يا من لم تعرف حكمة الالهة بعد، أيمكن ان تتصور؟، الافاعي تستطيع العيش بسمها دون جمال مظهرها وجلدها الناعم، وتراها العناكب هل لو كانت بيوتها من دون الحرير كيف تستطيع أصطياد طرائدها المفتونة بهندستها الانيقه؟، هو ذا الجمال بديلٌ الحكمة إن فقدتِ ولعنة العاقلين أن لم يتأملوا ظواهرهم.


اثينا: وتراك أيضا يا أيها الفاني، لو علمت جمال الالهة، أتعطي البساتين حكمتك فلا تكون بعد ذلك أيةً بتجددها أن خربت الأرض، واستبدلت وردها الطالع وثمرها المتدلي، شوكاً لبني البشر، الذي لن يفهموا الجمال حين تجدد بمحبةٍ دون حكمة، كأم العصاة وأب الآثمين لا تسألهم ثمن متعة الظلال ولا ترف الروائح ولا تطلب ثمناً لاعينٍ أستمتع وسكنت بعد خريف أفعال الانام، هي ذي الحكمة جمال خفي، ومحبة للجاهلين أن لم يعقلوا بواطنهم.


عبد العزيز عمر الرخيمي

السبت، 19 مايو 2018

ليلة انكيدو الاولى في بلاط جلجامش

ليلة انكيدو الاولى في بلاط جلجامش


مراياي كانت تعكس روحي لا فقط بدني حين اطل عليها، صافيةٌ كبدن عذراء يكاد يكون لها بريق ولم تمسسه نار، مراياي لم تصقل بإيدي ماهرٍ تعوج لعجزة الانساني صورتي ان انا أطلت فيها نظري وتذكرني بخطيئتي الازلية الابدية، نقصي انا ان رايت أعوجاجي بها يا جلجامش، كل مراياكم سحرٌ كبابل تدعي الكمال والفرات يفضح نقصها حين يعبر ويبدل جلده أيةً، والفرات مرأتي وحكمتي والنخل حين ينعكس خلفي زينتي والشمس والنجوم قنديلي، فلما سلبتني بدائيتي وخدعتني بوهم المدينة؟

اسواري عظمتي وصورتي الكبرى ويدي الطويلة خلف القصر، ان الكمال وهمٌ في البراري يا انكيدو والوهم ان تبقى حبيس حريتك المشتهات وبلا نظامٍ بلا احد، حكمة المرآة يا انكيدو ان يكون لك قرين، ومن ثم تجد عظمتك فيني عينيه حين يذل بسلطانك، ان يكن الفرات مرآتك في البراري وانعكاس جمال روحك الحرة الطليقة، فإني في عيون الخائفين والخانعين تحت سلطاني أراني بإزار الالهة، ونار الاضطراب والخوف في صدورة محرقت قرابيني وبخور آلوهيتي، فلما يا انيكدو اقتربت لأسواري ودون الخضوع لسلطاني؟

اسواقك زيفٌ ونظامك فوضى، تعطيني اشجار البراري ثمرها وتتدلى اكثر كرما ان انا تركتها دون ذهب ودون مقابل، هل طلبتك شجرة التفاح يوما برتقالا او تمرا؟ ام هل طلب منك الفرات ديّن ما اعطى، انا ادم قبل الخطيئة لا أسال ولا أسئل، روحانيٌّ، احتقر الجسد، فلما اجمع لما هو ذهابٌ واراكم الحجارة البراقة لأصنع للسماوات سلما، والسماوات اعطتني جانحي روحانين اثقلهما هذا الجسد؟ ان الحليب الذي اسقتنياه نسائك من اثدائهن خطيئتي الكبرى، ومن قبل كان الحب عندي كما السماء للارض يتبادلان الكلام العذب بموسيقى المطر دون ان يتلامسن فتهوي الدنيا كما هويت انا من روحانيتي وبدائيتي النقية لوهم الجسد والمدينة، والمدينة جسد الخطيئة الخفية!.


براريك ضجرٌ وبدائيتك فناء، ما الانسان لولا السعي للكمالِ وما الكمالُ لولا الخلود؟، انظر لأورك وانظر لبابل واشور، استحقرت مبانيها الشاهقاتُ نخل العراق طولا وكسرت انوف الجبال، انظر لرماحها كيف اجفلت الاسود وجعلت الانسان سيدا على الغاب، اننا في نقصنا كمالٌ حين نسد هذا النقص، فبلغنا بعرباتنا اعناق الظباء الهاربة وبنينا غرفا في اسوارنا حتى حسدتنا اعشاش النسور وما عادت النسور بعد اسوارنا شاهقه، فنت مصر وذهب الفراعنة الاولون للعدم وبقيّ ما صنعوا خالدا، وأليس الرسم في الكهوف بالبراري لاسلافك وأسلافي سعيُّ للكمال وشهوة للخلود، فلما تقول انها صنيعة المدينة وخطيئتها الابدية؟


عبد العزيز عمر الرخيمي

الثلاثاء، 15 مايو 2018

زفرة إبن الفجاءة الاخيرة

زفرة إبن الفجاءة الاخيرة


أقول له وقد أطل أشعثاً ومقلتيه سهام وناظرية رماح واطول الرجال في الحرب سيفا وعزما, أقول له يا موت ويحك من الابطال ويلك فيّ لا تراعي, يا موت نفسي لا تشتهي غيرك ندا ولا تشتهي الا الموت هنا قتلا وتغبط الهالكين حولها قتلى, يا موت وجدت الناس في الارض يعيشون ذلا ان هم عمروا أمدا ويموتون بين الناس احياءا ويهملون حتى يأتيهم الموت على الفراش كما النخل الميت وقافا أو اشد ذلاً, يا موت وجدت الخوف منك ذلا اهاب السلاطين في قصورهم وتهتز لك بيوت من دونه هزا, حتى بدت لا أخشاك ثما رأيت الناس من عدم خشيتِ فيك صرت أُخشى.

يا موت ما الحياة أن كنا فريقين فيها, فريق يذلُ بالموت وفريق يسمونا الموت خوف أن يسام هو الموتا, أن سيف الحجاج قد قطع الناس فسطاطين, فمنهم يسام الهوان حتى لا يكاد يحيى ومنهم لا يحيى حتى يسيئ الناس هوانا وموتا!, فإن تكن قصور العز لا تبنى الا على الناس هوانا وظلما وبيوت الخانعين لا تقوم الا حين تتجرع الذل محيا, فأهلا بقبر لا ذل سلطانٍ فيه الا الله ولا تقوم قواعده بأبدان الناس وصرصرة أسنان الخانعين خوفاً.

يا أشعث الذكر وجدت من أرهقه ذكرك ميتاً وأن حيا وأبتغى الخلودا و وجدت من أرهقه بدنه على أن يلقاك خالدا بعد أن يلقاك وأن مات فردا لا سلطان له ولا قصور ولا عبيدا, فما الابدان بثوب عز ومنتهاها جيفة بل الغز في الروح حين تحطم بمديتك وفأسك فخار حبسها, فتتزين بالموت كما الفراش للديدان حين من جوفها تطير روحا. 


* هي خطبة خيالية لا وجود لها إلا في رأسي، فكاني بإبن الفجاءة  تقمصت والقيتها، أو كإن أبن الفجاءة حلل بي فإتحد، فاوحى لي للثوار اياتاً، والموت ينصت بهدوءه الساكن على ابدان المقتولين.

عبد العزيز عمر الرخيمي

الجمعة، 30 مارس 2018

(مشاعر منثوره) قواريرٌ وكؤوس وبشر

(مشاعر منثوره)
قواريرٌ وكؤوس وبشر

(١)

تقولُ له:
إنما نحن قواريرٌ، نُسكب ببعضنا حين نعشق
ونكون لذةً للشاربين، إن نحن عشقنا وببعضنا إنسكبنا بحذر.

(٢)

يُجيبها:
إنما أنا كأسُ، فارغٌ مهما مُلئ دونكِ حتى أراكِ
فتكونين لي مسرة الناظرين، هو العشق هكذا سكبٌ أو نظر.

(٣)

يجيب الدهر:
أنما الإنسان بالونٌ منتفخ، بالاحلام والاماني والامل،
 إن ثقبته الألسن ورصاصها، صار شيئا هزيلا تتقاذفهُ رياحي حتى يسده محبٌ لا يتسرب بسهولة،
هو العشق هكذا شهدتهُ وشهده هكذا
القدر.

عبد العزيز عمر الرخيمي

الثلاثاء، 16 يناير 2018

مشاعر منثورة: حوارٌ مع الموت

(مشاعر منثوره)
حوارٌ مع الموت


أنا من لا حصون تقهر سلطانه
أنا مفتاح الابواب ومسقط الجدران
أنا من لا جسد له
وظلهُ يمتد على المدن المنكوبة
والعشاق المحطمين والثكالى
أنا لعنة اليتامى والارامل
و وجة الذئب الجائع هو ذا
أنا

يجيب:

أنت الموت
من كرهته قبل ثم أحببت
من سألت دوما عن حكمته
فأتني الدهر بنفسي الجواب
تسعين عاماً عُمرت ولم اتمنى لقاءة
الا الان
بعد ان امنت انه رحمتي 
ومن قبلُ
 اكره في المجالس ذكره
***
يا موت اقترب
إني متُ مراراً مذ ذهب كل من
احبهم
إني مت مراراً مذ ذهب كل من
عرفتهم
ووجدت نفسي
اموت مراراً مع جيل يلعن
دين اباءة ويراني الصنم الاخير
ويمقت كلامي إن تحدثتُ
ويبصق على افعالي بالنظر
***
ذهب كل الذين احبهم وبقيت
كشاهد قبرٍ يواجه رياح الدهر
على الاطلال.
امنت انك رحمتنا بعد ان نستيني!

يرد الموتُ:
تُركت لحين، كي تعرف حكمتي ولم تُنسى
يا ابن أدم
أنا من يكنس الارض منكم
فلولا فعلي لكتضت الارض بكم
وقمت بعملي
انا من يرتب فوضاكم انكم كتبُ
لا تطقيها مكتبة!
فحق عليها أن تحرق
حكمتي الابقى ولكن عجزت فهم
حكمتكم؟
تبكيني الاهرام في مصر التي لا
يسقطها برمحي
وجدران بابل وشعر الاقدمين
تقهرني نقوش الضعفاء بالكهوف
وانا الذي لا يقهر
وسيرة العشاق السابقين والفاتحين
تتسلل من سلطان مملكتي
وتنحني تحت سيفي
فما حكمتكم؟

يجيبُ:
يا موت إن الانسان حين يتوه عن الحكمة
يصنع اخرى
ضلننا عن طريق حكمتك صنعنا أخرى
وهماً للعزاء!
****
لكنها بقيت شاهدة علينا انك الأبقى
إن اهرام مصر وجدران بابل
وشعر الاقدمين وسير العاشقين
تشهدُ انك المكان واننا الزمان
كماء النيل يعبر الى موته في البحر
ومصر باقية!


عبد العزيز عمر الرخيمي