السبت، 14 أغسطس 2021

الحرب العادلة

 (كان هذا المقال ، جزء من بحوثي لنيل الاجازة الجامعية في تخصص الفلسفة من جامعة الكويت)


الحرب العادلة بين الفارابي وأوغسطين

(ماهي الحرب العادلة عند الفارابي واوغسطين؟)

 

مقدمة

 

كانت الحرب جزءا طبيعيا من التاريخ منذ القدمولكندوما كان الاشكال هل هي أخلاقية؟ وهل ما يترتب عليها منمجازر وقتل ودمار يمكن أن يبرر أخلاقيا؟ بلا شك لا احديشك في عدم اخلاقيتها من حيث المبدأوعلى انها احدالشرور البشريةولكن دوما كان للحرب مبررات وضرورةخصوصا تلك الدفاعية منها او الاستباقيةومن هنا ظهرمفهوم الحرب العادلةوخصوصا عند دول قامة على دينمثل المسيحيةيسوق ان المسيح ليس الا مسالما وسيرتهكذلكولكن واقعيا مثل هذه الورطة في عالم واقعي لا يجريعلى هذه المثل العليا يجب ان يكن للحرب العادلة  مكانبذلك تبلور هذا المفهوم مسيحيا على يد القديس اوغسطينثم تلقفه المسلمون الأوائل الذين وان ابيح لهم الجهاد اوالحرب العادلة بمعنى اخر الا انها كانت بلا شك تثيرالتساؤلات العقلية والتجريدية فلسفيا عن مدى أخلاقيةالجهاد ومدى كره الناس للحرب حتى وان كان أمرا الهياولماذا الله اباح للمسلمين هذا النوع من الحروب رغم ذكرهبمواضع عدة السلم والسلام.

 

إذن فالحرب ضرورية وموجودة مع الإنسان ولكن الإشكاليةالتي تثار في هذا البحث هي متى تكون الحرب عادلة ؟ وماهو تصور الفارابي والقديس أوغسطين للحرب العادلة ؟ لهذافإن هذا البحث سوف يناقش عدداً من المفاهيم والقضايامنها مفهوم الحرب ومتى تكون عادلة ؟ بالإضافة إلى عرضنالتصور كل الفيلسوفين بخصوص الحرب وسوف نتحدثكذلك عن بالمفهوم المعاصر لما يسمى بالحرب العادلة والتييجعلها البعض ضرورة للسلام الدائم.

 

 

الحرب العادلة كمفهوم:

 

الحرب هو صراع بين طرفين كلاهما يريد سحق الآخرلكن الحرب العادلة لها معنى آخر فهي " الإطار الذييتضمن مجموعة من القيم والضوابط والمعايير التي تحدد ماهو عادل وما هو غير عادل بالنسبة للحرب سواء علىمستوى شنها أو على مستوى إدارة عملياتها بعد إندلاعهافعلاً ().

وعن نشوء المصطلح نفسه فيمكن القول أنه منذ نشأتالحروب فكل طرف يعتقد أن حربه عادله لأنه يريد أن يبررلنفسه ولغيره شنها فها هي اسرائيل في حربها الأخير علىغيره تؤكد أن حربها عادلة لأنها تسعى لحماية مواطنيهاوفي المقابل يؤكد الفلسطينيون وعلى رأسهم أهل غزةوحركتها حماس أن حربهم عادلة لأنهم يريدون استردادالحق المغتصب من جانب الاحتلال الإسرائيلي . والشاهدأن فكرة «الحرب العادلة» استمدت أصولها وجذورهاالفكرية من الطروحات التي ساقها العلامة والفيلسوفأوغسطينوس في موسوعته

الخالدة «مدينة الله» ولاحقا بلورها العلامة الدومينيكانيالأشهر توما الأكويني في خلاصته

اللاهوتية الشهيرةفكرة «الحرب العادلة»، بعيدًا عن الإغراقفي

أعماق التحليلات اللاهوتية، تقوم على تبرير انخراطالمسيحيين الغربيين في الحروب، وطالما

وجدت أسباب عادلة تدعو إليها، وأن يكون الهدف منها إقامةالسلام العادل.

والمؤكد أن أحاديث ونقاشات كثيرة دارت داخل المؤسسةالكاثوليكية، لا سيما بعد المجمع

المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965) حول مفهوم«الحرب العادلة» وشروطها، 

والتمييز الواجب توافره للتفريق بين تلك العادلة وغير العادلة، ولقد تبلورت الرؤية النهائية

لهذا المفهوم في كتاب التعليم المسيحي الجديد للكنيسةالرومانية الكاثوليكية الذي صدر عام

1997. والذي لخص مسألة استخدام قوة في البند (2309) وفيه بحسب النص «يجب التبصّر

بدقة في الشروط الصارمة للدفاع المشروع بالقوةالعسكرية». إن خطورة قرار كهذا تقتضي  

إخضاعه لشروط صارمة تتطلبها الشرعية الأخلاقيةفيجبفي آن واحد «أن يكون الأذى

الذي ألحقه المعتدي بالأمة أو بجماعة الأمم ثابتًا وخطيرًاوأكيدًا، وأن يتبين أن جميع الوسائل

الأخرى لوضع بدائل مستحيلة أو غير نافعة، وأن تتوافرشروط جدية للنجاح، وألا يؤدي

استعمال السلاح إلى شرور واضطرابات أخطر

 

إذن مصطلح الحرب العادلة مصطلح نسبي يفسره كل فائدةأو كل دولة كما تشاء ولكن هناك معايير أخرى علينا جميعاً أن نعرفها وهي أن تكون حرب عادلة عندما تكون قضيتهاعادلة فعلاً باعتراف الغالبية العظمى.

ولهذا سوف نتحدث عن الحرب العالمية بحسب تصورالفارابي من الفريق الإسلامي والحرب العادلة بحسبتصور أوغسطين من الفكر المسيحي.

 

 

الحرب العادلة عند الفارابي:

 

مما لا شك فيه أن عناية الفارابي التي ظهرت كثيرة فيحديثه عن المدينة الفاضلة ننسحب أيضاً على الحفاظ علىهذه المدينة من الخارج ولما كان الفارابي فيلسوف مسلماً فلهذا الأثر الواضح في موقفه السياسي والحربي معالآخرين أنه وعلى أساس الشريعة الإسلامية يؤمن بأنالحرب أحياناً تكون ضرورية ولكن هناك أسباب مقنعةللحرب ولا أدري ماذا كان موقفه من الفتوحات الإسلاميةلكن من المعروف عنده أن الحرب جائزة في حالة استردادالحق المغصوب سواء كان هذا الحق أرضاً أو حتى مالاً يستحق أن يقرر رئيس الدولة القيام بذلك لهذا كان الفارابييسعى دوماً للإصلاح السياسي داخل المدينة أولاً ، فقد كانالفارابي يهدف دوماً إلى الإصلاح السياسي ويرى أنهالمدخل للإصلاح الإجتماعي والأخلاقي .

فبرأيه أن وجود سلطة فاضلة وعادلة بما أمر به الله سبحانهكفيلة بأن تحقق التغيير والإصلاح المنشود لأخلاق الناسوأحوالهم ومعاشهم إلى ما هو أحسن وأفضل ومن هنا كانتركيزه على الرئيس الفاضل وإهتمامه بإبراز دوره الرئيسيفي قيادة المجتمع ().

وخصوصاً أن الفارابي في كلامه بخصوص رئيس المدينةأكد على أن من شروط الرئيس الجيد للمدينة هو أن يكون لهجودة ثبات ببدنه في مباشرة أعمال الحرب وذلك أن يكونمعه الصناعة الحربية الخادمة والرئيسية ولهذا يرى البعضأن الفارابي يؤكد على قدرة رئيس المدينة الفاضلة على فعلالجهاد ومباشرة أعمال الحرب والتمرس بفنون القتال إضافةإلى جملة الخصال الأخرى – طبعاً – التي تمنعه أهليةومشروعية الرياسة " ().

 

يتطلّع المعلّم الثانيّ من خلال ذلك إلى فتح الإتيقا علىالسياسة وربط إرادة السّعادة بإرادة المدينةفإتيقا الحربالعادلة من منظور الفارابي قائمة رأسا في ماهيتها علىمطلب السّعادة

بما هو مطلب “كلّ” إنسان، إنّها أفقيّة دائما، وتزرعإمكانها ممّا هو محايث في البشر، من

قواهم واستعداداتهم وإرادتهم إنّ الإتيقا عند الفارابي إنّماهي محصلة تنبّه الإنسان إلى قدرته

على أن يصير ما هو، وذلك باستعمال ما هو ممكن فيه، أيماهيته بوصفه كائنا مندوبا إلى

استكمال نفسه بنفسهالإتيقا هي قدرة الإنسان على أنيكون ما هو بما هووهكذا فإنّ

الإتيقا ممكنة لأنّ المدينة غير ممكنة إنسانيا بدونهاعلى أنّ تحصيل هذا الرّهان يقتضي  

بدوره الاعتراف بمفاعيل الفلسفة داخل الفضاء العموميالمدينيناهيك أنّ: “الفلسفة ليست

هي من الأشيّاء الفاضلة فقط، بل هي النّافعة فيالحقيقةثمّ ليست هي نافعة غير ضروريّة، 

بل نافعة ضروريّة في الإنسانيّة.

 ليست الفلسفة المقصودة ههنا شيئا آخر سوى “الفلسفة” نفسها، في ماهيتها التي تحدّدت منذ

الكندي إلى ابن باجة بوصفها في جوهرها “إتيقا”، أيمعرفة الإنسان نفسه، وبقدر طاقة  

الإنسان.

وعلى هذا النّحو من النّظر، يروم الفارابي من خلال طرحهلمسألة الحرب العادلة، بناء رؤية

الإنسانيّ تُمكّن الإنسان من أن يكون قادرا على بناءمشاريعه، مقاومة لسياسات الجور

والفساد، وتشريعا لحكمة العيش معا، فذاك عين الفائدةوثمرتها القصوىفما أحوجنا اليّوم إلى

استئناف التفكير في أخلاقيّات الحروب، مواجهة لطابعهاالتدميري والتخريبي للإنسان كما

الطبيعة على حدّ سواء، تسلحا بثقافة حقوقيّة قائمة علىالسلم والتسامح والاعتراف بحق

الاختلاف لإنشاء كونيّ إنسانيّ، سيّما وأنّنا نعيش: “عصر اللّا-مسؤوليّة المعمّمة

 

ولكن الفارابي لا يترك الأمر مفتوحاً لشن حروب ولكن نظرفي مبرراتها وقوانينها ولهذا نراه يقول " الحرب تكون إمالدفع عدو ورد المدينة من خارج ، وأما لاكتساب خير تستأملهالمدينة خارج ممن في يده ذلك وإما لأن تحمل به قوم ماويستكرهوا على ما هو الأجود والأحظى لهم في أنفسهمدون غيرهم متى لم يكونوا يعلمونه من تلقاء أنفسهم ... وإمامحاربة من لا يتقاد للعبودية والخدمة ممن الأجود لهوالأحظى أن تكون رقبته في العالم أن يخدم ويكون عبداً " ().

وهنا يبدو أن الفاربي يشير إلى الشروط التي تكون فيهاالحرب عادلة وهي إما أن تكون لدفع ضرر وعدوان خارجيأو تكون لجلب خير مفقود أو تكون للإصلاح وهو هنا يبدوأنه يشير إلى مشروعية الجهاد والفتوحات الإسلامية وعلىكل حال فإن الفارابي يرى أن الحرب العادلة مقبولة بلوضرورية ولا يمكن أن نساوي بينها وبين تلك الحروب الظالمةالتي تشن للسيطرة والإستيلاء على أملاك الغير وفيعصرنا الحديث والمعاصر أنواعاً من هذه الحروب فمثلاً حربالعراق التي نتج عنها الغزو هذه حرب ظالمة ، أما الحربالعادلة هي حرب التحرير التي أستعادت بها الكويت حقهاالمسلوب .

ولهذا يقول الفارابي في كتابه تحصيل السعادة للتأكيدعلى الحرب العادلة يقول :" ومن التي يؤدب بها كرها إلىأعظمها قوة ، وتلك من الماهية الجزئية هي القوة على جودةالتدبير قوة الجيوش واستعمال الآن الحرب والناس الحربيينفي مغالبة الأمم والمدن ، الذين لا يتعادون لفعل ما ينا

لون به السعادة التي لأجل بلوغها كون الإنسان " ().

إذن هنا نرى أن الفارابي بعد أن يستخدم لفظ التأديببدل الحرب يتحدث عن أن هناك ما لا يصلح معه التأديب إلابالحرب وقوة الجيوش وعليه فإنه يبيح الحرب العادلة من أجلتحقيق الخبر والسعادة للأمم.

 

 

 

الحرب العادلة عند أوغسطين:

 

لقد ظهر تصور أوغسطين للحرب العادلة في العديد منموافقة وتصوراته منها ما عبر عنه في كتابه " مدينة الله " والذي قال عنها " بصفته الحكم الأسمى للحرب نراهيستعمل العدل او الرحمة فيضرب الجنس البشري اويؤاسيه عندما يطيل مدة الحرب أو يقصرها " ().

وهنا نلاحظ أن أوغسطين أراد أن يؤكد أن الحرب أيضاً جائزة ولكن إذا كانت من أجل الرب والوصول إلى مدينة اللهوحتى القتل نراه يجيزه إذا كان بأمر السلطان الأعلى أو اللهولهذا نراه يقول في كتابه مدينة الله: " غير أن تلك السلطةالآهلية قد وقعت بعض الإستثناءات في تحريم القتل ، ويأمرالله أحياناً بالقتل بواسطة الشريعة العامة أو من خلال وصيةوقتية أو خاصة ، على أن ذلك العمل لا يكون أدبياً ، قتلاً لأنمهمته تأتيه من السلطة وليس هو سوى آداة كالسيف الذيبه يضرب . أو لم يتجاوز الوصية اولئك الذين بأمر من اللهعملوا الحرب().

 

ففي الغرب الأوروبي، قام القديس أوغسطين 354 ـ 430 مبتوفير الغطاء الكنسي لفكرة الحرب في المسيحيةالكاثوليكية، إذ كان مقتنعاً بفكرة أن الرب هو الآمر بالحربالتي تشن بهدف فرض السلامولعل هذا ما دفع كل منجيمس برونداغ 1969 وفريدريك راس 1973 إلى ذكر أنالسلام الذي ينشده القديس أوغسطين ليس هو السلامالمطلق، إنما السلام الذي يناسبه، ويتوافق مع مصالحهالخاصة فقط، وإن تعارضت مع مصالح الآخرين!

تجاوز القديس أوغسطين فكرة الحرب العادلة لدى شيشرونالتي كان يجب أن يكون لها سببها الأخلاقي، وشكلهاالاحتفالي أيضاً، ليقرر أن الحرب التي تشن بناء على أمرمقدس هي حرب عادلة، لأن الرب بالضرورة هو الذي أمربها، ولما كانت حروب الرب عادلة بالضرورة، فإنه يحقللحكام المسيحيين الأمر بشن الحرب دفاعاً عن الحقوبهذاتكون حربهم عادلة استناداً إلى ما قاله بولس الرسولي إلىأهل رومية لتخضع كل نفس للسلاطين الكائنة، لأنه ليسسلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله، حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله…”. وهكذا قدمالقديس أوغسطين التبرير المسيحي الأول للحرب، وذكر أنالحرب العادلة يمكن أن تقوم المسيحية بشنها حين يتجاهلشعب ما أو مدينة ما حقوق الآخرين، كما يمكن أيضاً أنتشن لاستعادة ما أخذه شعب من شعب آخر بالقوةغير أنهاشترط للحرب العادلة أن تشن بواسطة حاكم شرعي، وأنيكون لديها سبب عادلوأن تكون الحرب هي الوسيلةالوحيدة لاستعادة الحقوق

إذن هو يبيح الحرب وتكون عادلة إذا كانت بأمر من الله." وبالتالي فإن من شروط الحرب العادلة والأخلاقية إلا تكونحرباً لصوصية من طرف عصابات تدوم تحصيل مآربهاكالقتال والسيطرة تلبية لنزواتها وحاجاتها الذاتية بكلأنانية().

وبالتالي يمكن القول أن أوغسطين كغيره ممن أجاز الحروبولكن بشروط يؤكد أن الحرب تجوز طالما أن الرب يباركهالأنها تعمل في هذه الحالة تبعاً لقانون " مدينة الله " ولهذايقول سعيد الجابلي،"تبعاً لذلك بمقارنة ثيولوجية أساسهامقولة العناية الآلهية ، يؤسس أوغسطين لمشروعية الحربالعادلة جاعلاًُ منها حرباً مباركة من الله وتكون كذلك فيسبيل الله . هذا ما شدد عليه لقوله : غير أن تلك السلطةالآلهية قد وضعت بعض الإستثناءات في تحريم القتل ..... ألخ" .()

إنّ تعاليم أوغسطينوس الخاصة بتبرير المسيحيين بالانخراطفي الحروب وبقضاياها قد أثّرت

على الحياة السياسية والدينية للناس وبتعدد ألوانها ولقرونمتلاحقةفقد أدرج سياسة الحرب  

العادلة الخاصة بالإمبراطورية الرومانية في اللاهوتالمسيحي، وابتدع مفهوماً مسيحياً عن

الحرب العادلة، رغم أنه وضع بعض التحديدات التي تجيزالحرب، إلّا أنه فتح الباب أما

بعض المسيحيين للاشتراك في بعض أنواع الحروب، وقد نماهذا الانفتاح بشكل أوسع أكثر

فأكثر مع مرور الوقت

 

إذن يجيز أوغسطين الحرب العادلة التي تكون بأمر الربوفي سبيل تحقيق مدينة الله وربما أدخل أوغسطين مفهومالحروب العادلة من خلال ما يراه البعض بالقول " ويمكنناإرجاع تقليد الحرب العادلة إلى القديس أوغسطين الذيأنكب على دراسة السؤال المتصل بمعرفة ما إذا كان منالممكن للمسيحين أن يدخلوا في حرب من دون أن يرتكبواخطيئة ثم تطور التقليد كنتيجة لحركان السلام التي قادتهاالكنيسة في الفترة من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالثعشر والتي سعت إلى التقليل من مآسي الحروب من خلالتقييد أيام القتال ، وتحديد الأشخاص الذين يمكن شنالحرب ضدهم().

وبالتالي هناك إجازة كنسية للحرب إذا كانت عادة وعدالتهاتحقيق السعادة لأهل مدينة الله عند أوغسطين من خلالطاعة الرب.

 

 

بين الفارابي واوغسطين والرأي المعاصر

 

بعد عرض رأي الحكيمين يمكننا القول على الاتفاق التامبعدم أخلاقية الحرب لذلك حرص الفلاسفة المسيحيون ومنبعدهم المسلمون نزع نوع من الحرب يعبر عادلاً وهو منسجممع الاخلاق لا يتعارض معها ولا يتصادم مع العقلوالوجدانأن هذا النوع من الحرب ضروري ومن دونه لايمكن لمدينة ان تقوم او دولة بمفهومنا المعاصر وأقل الايمانالعنصر الدفاعي الاستباقي منها.

 

مثل الواقعيين المعاصرين في مسألة السلم الدولييرىالحكيمين أن مثل هذا النوع من الحرب يعزز السلام العادلاو كما يقو الفارابي:" عادلة ما بعد الحرب تتمثل في إقرارقواعد السلام العادل"().

 

في المقابل يرى اوغسطين أن تلك الحروب الغير عادلة كيتميز عن الحرب العادلة انما لا تكون الا للنهب والسيطرةفقط ولا غاية لهابينما الحروب العادلة تكون ذات هدفغائي يعقب هذه الحرب كما نوه قبل ذلك الفارابي وهوالسلام:" في الواقع اذا فقد العدل أصبحت الممالك جماعاتكبيره من اللصوص ان لم تكن مملكة صغيرة؟"().

 

اذا الفرق الما بعدي مهم للحرب العادلة على حد سواء بيناوغسطين والفارابي اذ ان ما يعقب ذلك من سلام كما عندالفارابي أو التقوى في غاية شنها كما عند الفارابيوبالمناسبة هذا مشابه جدا لما يراه القانون الدولي اليوموهوان يكون للحرب غايه أو رسالة او هدف وهو استقلال النظامالدولي اليوموهذا ما يحصل طوال القرن العشرين والقرنالحالي خصوصا ما بعد 11 سبتمبر حين أعلن بوش حروباً بررها بأنها دفاعيه استباقيةتجاه مجموعات القاعدة التييراها مارقة على النظام الدولي وثم بعد ذلك حروب التحالفالدولي ضد داعش وليست حرب اليمن عنهم ببعيد.

 

هناك محور مهم في الحرب العادلة وهو السلطة الشرعيةالتي على حد سواء بين الفارابي واوغسطينوالتي تمثلبوقتنا المعاصر هو كيان الدولة والسلطة التي فيها من حيثشرعيتها دوليا بلا شكاذ ان بعد ظهور جماعات مسلحةفي كل اقطار الأرض تعلن حروبها لا يخولها ذلك في ميزانالفارابي واوغسطين بل والقانون الدولي اليوم على حدسواءاذ تلك الكيانات لا تمتلك شرعية من حيث أنها دونشرعية دينيه كما ولي الامر او الكنيسة عند المسلمينوالمسيحين ولا شرعية معاصر من حيث ان الدول والمجتمعالدولي يعترف بهاوهذا ما يزيل لبس شديد عن هل تلكالحروب التي تشنها تلك الجماعات حتى وان كانت ذات غايةيظنها البعض سامية تستحق ان تكون حروبها عادلة؟ بلاشك لا بسقوط شرط شرعية صانع تلك الحرب وهو الأمير اوالدولة او الحكومة من حيث شرعيتها دينيا او شرعيتها امامالمجتمع الدولي:" تاريخياهيمن انصار الدولة (الدولتيونعلى نظرية الحرب العادلةوكان لمعظم فروع التقليد نسخةما من القيود الشرعية والخاصة او الصحيحة على السلطةمبنية كشرط ضروري لكي تكون الحرب قانونيا عادلةفيالتطبيق يعني ذلك ان الدول ذات السيادة تمتلك حقوقا لايملكها الفاعلون غير الحكوميينيمنح القانون الدولي الدولفقط حقوق الدفاع الوطني ويضمن حقوق المقاتلين بشكلأساسي لجنود الدول رغم ان وولتزر لم يقل سوى القليلبخصوص السلطة الشرعية لكن كل حججه تفترض ان للدولمكانة أخلاقية يفتقر اليه الفاعلون غير الحكوميين"().

 

النموذج المشروع للمعاصرين من حيث أن الحرب العادلةضرورية واخلاقية بنفس الوقت تتجلى على شروط الحكيميناذ ان عند الفارابي هي ان لم تكن لدفع ضرر ما او الدفاعفهي لكسب خير للمدينة وعند اوغسطين نفس الامر من حيثأن العدل قد يؤدي الا القتل وشن الحروب لكسب غاية عادلةأيضا بعكس الحروب العبثية واللصوصية التي لا تؤتي الاالفوضى.

 

بذلك يكون أصحاب نظرية السلام المعاصرين او العنفالمطلق امام محك الأمم الأخرى حولها من حيث انهم قد لايمارسون الحروب العادلة وبذلك يكونون قد وقعوا في حربيمكن تجاوزها بهجوم استباقي متمثل بالحرب العادلة.

 

 

الخاتمة

 

اننا بلا شك بعد ان عرضنا وجهة نظر الحكيمين اوغسطينوالفارابيثم عرضهم على بعض الآراء المعاصر المناصرةللقانون الدوليندرك أن الحرب العادلة وان كان في ظاهرهاخرق للمبادئ الأخلاقيةلكننا المبادئ الأخلاقية تلك لا يكونلها وجود دون حروب عادلة تحرص على بقاء الدول أولاالراعية لتلك المبادئ الأخلاقية التي تتلاشى في عصرالطبيعة دون دولة.

 

وأيضا قارنا بعض الحركات المسلحة المعاصرة التي قد تأخذبعض شروط الحرب العادلة مثل الهدف الساميكما بعضالحركات الانفصالية أو الحركات التي تقاوم دولة ديكتاتوريةاذ يسقط ههنا اهم شرط وضعه اوغسطين والفارابي وبعدذلك المعاصرون وهو سلطة شرعية متفق عليهااو الشرعيةالدولية كما يقول الوقت المعاصربذلك تكون الحروب عادلةشروط حديدية لا يمكن التنازل عن احدها وضرورة لكييستقيم العدل في المدينة كما يقول الفارابي وان كانتهجومي لكي تدفع المدينة شرا قد يخل بالعدل التي فرضتهداخليا.

 

قد تواجد انصار السلام مع انصار القوة في التاريخانصار السلام أولئك الذين لا يرون في الحرب جملةً الا شرالا خير فيه ولا يجب الانحياز له مهما يكنويكون أيضاانصار القوة والعنف خلال التاريخ ليس الا لصوصا كما ذكربعد ذلك اوغسطين لا يأبهون الا بشباع ملذاتهم بالاستيلاءعلى الأمم الأخرى وثروتها بينما يقف الواقعيون فيالمنتصفوسطا ذهبيايجيز الحروب من حيث المبدأ انتكون عادلة ولا يجعلها امرا عاديا في التاريخ وانما تجاوزللمبادئ الأخلاقية قليلا لمبدأ أخلاقي اسمى وكي لا تنفرطالمبادئ الأخلاقية في أي مدينة او مجتمع ويحل الدمار على الجميع.


          

           عبدالعزيز عمر الرخيمي

 

المراجـــــــــــع:

 

1- أوغسطين ، القديسمدينة الله  ،  ترجمة : يوحناالحلو ، الطبعةالمجلد الأول ، دار المشرق : بيروت.

2- الفارابي ، أبو نصر (1965). تحصيل السعادة ، تحقيق على بوملحم ، ط1، مكتبة الهلال : بيروت.

3- دعاتيإبراهيم. (1993). الإنسان في الفلسفةالإسلامية  الفارابي نموذج ، الهيئة المصرية العامةللكتابمصر.

4- حميدانيسليم. " نظرية الحرب العادلةوالتدخل الإنسانية " ، مقارنة إدراكيةجامعة قالمةالجزائر.

5- الشريفحمدي. (2016). نظرية الحرب العادلةبين اليوتوبيا والايديولوجيامؤمنون بلا حدودللدراسات والأبحاثاكدالالمملك المغربية.

6- الجابليسعيد. " نظرية الحرب العادلة عنالفارابي " يوتوبيا أم واقع . جامعة تونستونس.

7- موسوعة ستانفورد للفلسفة ‘  الحربترجمةوليام عوطةمجلة حكمة الالكترونيةالحرب - مدخلفلسفي شامل من (موسوعة ستانفورد للفلسفة) | مجلة حكمة(hekmah.org)